مجالس القرآن:مدارسات في رسالات الھدى المنھاجي للقرآن الكريم من التلقي إلى البلاغ
مجالس القرآن التدبر المنھاجي لسورة الفاتحة
مجالس القرآن: مدارسات في رسالات الھدى المنھاجي للقرآن الكريم من التلقي إلى البلاغ
تمھيد
الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبدھ ليكون للعالمين نذيرا ، وأرسل رسولھ صلى الله عليه وسلم بالھدى كافة للناس بشيرا ونذيرا، وجعلھ
في سماء البشرية كوكبا دريا وسراجا منيرا.
أما بعد:
فھذا ھو القسم الثاني من كتاب "مجالس القرآن "
وهو القسم العملي لمشروعنا الدعوي . إنھ محاولة
لتلقي ما أذن اللھ فيھ من رسالات القرآن ، وما يسرھ من ھداھا. وذلك من خلال تدارس آياتھ كلمة كلمة . وھو نموذج تطبيقي لما يمكن أن يكون أرضية للمتدارسين لكتاب اللھ تعالى لمجالس القرآن .
أما منھاج ھذھ المدارسات،فهو راجع إلى تلقي رسالات القرآن وبلاغھا ؛ ذلك أن وجدنا دعوة محمد بن عبد اللھ صلى الله عليه وسلم إنما قامت على ھذا المنھاج ، وأن الدين _كل الدين _ إنما ھو
دائر على تلقي رسالات اللھ والدخول تحت ابتلاابتلاءاتھا أخلاقا وتحققا ، وعلى ذلك استمر الصحابة من بعدھ صلى الله عليه وسلم، وعليھ سار خيار التابعين وكبار الأئمة المجددين عبر التاريخ فلا عبادة للھ إلا بتلقي رسالاتھ، ولا دعوة إلى اللھ إلا ببلاغ رسالاتھ ، ولا تجديد الدين اللھ إلا بتجديد التلقي لرسالاتھ، ولا حياة إيمانية إلا بالتخلق بحقائقھا في النفس و في المجتمع فماذا بقي بعد ذلك من الدين خارج رسالات القرآن؟
وإنما السعيد من أكرمھ اللھ بالاشتغال بالقرآن الكريم ، تلاوة وتزكية وتعلما وتعليما ؛ إذ ذلك من مجمل وظائف الأنبياء _عليھم الصلاة والسلام _ وعلى رأسهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى : " لقد من اللھ على المؤمنين إذ بعث فيھم رسولا من أنفسهم يتلو عليھم آياتھ
ويزكيھم ويعلمھم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين" آل عمران 164
وتلك ھي مدارات رسالات القرآن تلقيا و بلاغا فطوبى لعمر عمر بھذھ المعاني العظيمة !وطوبى لعبد حمل ھذھ الرسالة الربانية ؛ فكان بذلك من (أھل القرآن أھل الله وخاصتھ)
وأما طريقة عرض مادة ھذھ الرسالات فيھ قائمة على المنھج التالي:
أولا : تقديم:
وذلك بتقديم السورة المقصودة بالمدارسة تقديما كليا ، يلخص قضيتھا ، ويعرف بشخصيات.
ثانيا: المجالس:
حيث يتم تقسيم السورة إلى مجموعة من المجالس مرقمة بشكل ترتيبي ، وجعل كل مجلس مقتصرا على مجموعة من الآيات، مما يشكل وحدة متكاملة في ذاتھ من جھة؛ ومما يمكن استيعاب رسالاتھ في مجلس واحد من جھة اخرى ، أي ممكن تطيق الفطرة البشرية تلقيھ من الرسالات القرآنية والحقائق الإيمانية ، تخلقا وتحققا في مجلس واحد ! على نحو ما كان ينزل من الآيات منجما_في عھد الرسالة _ على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك فقد كانت أغلب المجالس تتمحور مدارساتھا على نحو خمس آيات أو سبع، أو ما يقارب ھذھ أو تلك ، وربما اقتصر المجلس على آية واحدة فقط إذا تبين لنا وأنھا تحمل من الرسالات ما يستلزم وقتا أطول لتلقي حقائقھ الإيمانية ، وذلك على حسب ما من اللھ بھ من تلقي رسالاتھا المنھاجية كما وكيفا.
ثالثا: كلمات الابتلاء :
وقد سمينا مجموعة الآيات التي ھي موضوع الدرس :( كلمات الابتلاء ) باعتبار أن القرآن الكريم
كلام اللھ، وأن آياتھ من كلماتھ جل علاھ ، بما لھذا اللفظ في القرأن من عمق دلالي يرتبط بمعاني
السعة والشمول من جھة ، كما ھو واضح من مثل قولھ تعالى : "ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام
والبحر يمدھ من بعدھ سبعةأبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم " لقمان 27
وقولھ سبحانھ: " قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثلھ مددا " الكھف 109
ثم بما لعبارة ( الكلمات )- من جھة أخرى - من ارتباط بحقائق الابتلاء للانسان المتلقي لھا (فكلمات اللھ) المنزلة ھي حقائق الابتلاء ، ومعاني التكليف التعبدي بھذا الدين ، في العقائد والعبادات والتصرفات ؛ ومن ھنا كانت مقتضياتھا
ثقيلة : "إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا " المزمل 5 وعلى ھذا جاء قول الله تعالى في محكم كتابھ: "وإذابتلى ابراهيم ربھ بكلمات فأتمھن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عھدي الظالمين "البقرة 124وقولھ سبحاتھ: فتلقى ءادم من ربھ كلمات فتاب عليھ إنھ ھو التواب الرحيم " البقرة 37. فقد كانت الكلمات التي تلقاھا ابراهيم عليھ السلام ھي الابتلاءات الإيمانية التي امتحن بھا، وكان الفائزين الكمل، كما كانت الكلمات التي تلقاھا آدم عليھ السلام ھي عبارات التوبة وحقائقھا الوجدانية؛فكان من المسارعين إلى ربھ تائبا إليھ منيبا ومن ھنا كان القرآن كلھ كلمات : أي آيات للعمل والتطبيق وحقائق للابتلاء والتكليف! لا مجرد كلام للقص أو التأريخ ، بل ھو عمل وامتحان والناس إزاءھ بين متم لكلماتھ أو مقارب أو خائن ؛ إذ كل كلمة من كلمات الله إنما تتلقى رسالتھا من ھذا القرآن، من خلال الدخول في ابتلاءاتھا تخلقا وتحققا. ولا يتم ذلك للنفس إلا بمكابدة ومجاھدة ومن ھنا ثقل الابتلاء التربوي بھذا القرآن.
وقد كابد الرسول صلى الله عليه وسلم تلقي القرآن خلال ثلاث وعشرين سنة ! وكابد معھ أصحابھ _رضوان الله عليهم _ مكابدة؛ حتى تحققوا من "معيتھ الإيمانية " صلى الله عليه وسلم خلقا ربانيا
رفيعا؛ وبھذھ السيماء مدحھم اللھ تعالى وأثنى عليھم القرآن ، فقال تعالى :" محمد سول اللھ والذين معھ أشداء على الكفار رحماء بينھم تراھم رركعا سجدا يبتغون فضلا من اللھ ورضوانا "
#كيفية التخلق بالايات